الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة .. فما وزنها في قلبك أنت؟؟؟
روى الترمذي وابن ماجة واللفظ للترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ"
قال تعالى: ((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [يونس: 25]
وقال تعالى: ((أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)) [التوبة: 38]
والمتاع هو ما يتمتع به صاحبه بُرهة .. ثم ينقطع ويضمحل ويفنى .. فما عِيبت الدنيا بأبلغ من فنائها .. وتقلُّب أحوالها.
وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا ، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ ، وَخَطَّ خُطُوطًا صِغَارًا إلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ ، فَقَالَ هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ . وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ . فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا. وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا".
وفي مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ".
وروى البيهقي عن الفضيل بن عياض ، قال : قال ابن عباس : «يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية ، مشوه خلقها ، فتشرف على الخلائق فيقال : هل تعرفون بهذه ؟ فيقولون : نعوذ بالله من معرفة هذه ، فيقال : هذه الدنيا التي تناحرتم عليها ، بها تقاطعتم الأرحام ، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ، ثم تقذف في جهنم فتنادي : أي رب ، أين اتباعي وأشياعي ؟ فيقول الله تعالى : ألحقوا بها أتباعها وأشياعها».
وقال ابن الجوزي: أَيها العبد: تفكر في دنياك كم قتلت، وتذكر ما صنعت بأَقرانك، وما فعلت، واحذرها فإِنها عما لابد منه قد شغلت، وإِياك أن تساكنها فإِنها إِن حلت رحلت .. وروى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرَّ بشاةٍ ميتةٍ قد ألقاها أهلها، فقال: والذي نفسي بيده إِنَّ الدنيا أهون على الله من هذه على أَهلها) .. وكان يقول في صفة الدنيا: (أَولها عناءٌ، وأخرها فناء، حلالها حسابٌ وحرامها عقابٌ، من استغنى بها فُتن، ومن افتقر إِليها حزن، ومن سعى لها فاتته، ومن نأى عنها أَتته، ومن نظر إِليها أعمته، ومن بصر بها بصرته) ..
أين من جمع الأموال وحماها، واهاً لمن جمعها واقتناها، تناهى أجله وما تناهى، كم سلبت الدنيا أقواماً أقواماً كانوا فيها وعادت عزهم أحلاماً أحلاماً، فتفكر في حالهم كيف حال، وانظر إلى من مال إلى مال، وتدبر أحوالهم إلى ماذا آل، وتيقن أنك لاحق بهم بعد ليال، عُمرك في مدةٍ ونفسك معدود، وجمسك بعد مماتك مع دود، كم أمّلت أملاً فانقضى الزمان وفاتك، وما أراك تفيق حتى تلقى وفاتك، فاحذر زلل قدمك، وخف طول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك، واقبل نصحى لا تخاطر بدمك. (مواعظ ابن الجوزي)